المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في نور آية كريمة.. "ادخلوا في السلم كافة"


سلوان
07-16-2021, 11:19 PM
في نور آية كريمة.. "ادخلوا في السلم كافة"


https://almoslim.net/sites/default/files/styles/large/public/SILM.jpg?itok=2ScqpTjH


"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"

مادة السلم، والإسلام واحدة، لكن الله سبحانه ذكر في كتابه "السلم"، ومن تفرد القرآن وعظمته أن كثيراً من كلماته تحمل أكثر من معنى، ويتسع لها أكثر من تفسير؛ فتعطي اتساعاً شاسعاً للمعاني، ويطرق بها كثيراً من الأبواب والسبل؛ فكل المعاني التي ذكرها المفسرون في كلمة "السلم"، سواء أكانت الإسلام أو الصلح أو الموادعة والسلام أو غيرها تنحو بنا في اتجاهات شتى.

وكل المعاني التي أوردها أهل التفاسير عن كلمة "كافة"، سواء أتعلقت بالمؤمنين كافة.. أو بالسلم كافة (وهو المشهور)، هي أيضاً تفسح الأفق واسعاً أمام أعين المتدبرين.

إن الإسلام كلٌ لا يتجزأ؛ فمع الإيمان يأتي الاستسلام التام لله والانقياد لأوامره واجتناب نواهيه، وما دام المؤمنون قد آمنوا؛ فعليهم الالتزام بكافة شرائع الإسلام ما استطاعوا، وعليهم أن يتخذوا هذا الإسلام بيتاً يحتويهم، يؤبون إليه ويدخلون فيه بكليتهم.

وما إن يكونوا كذلك؛ فإنهم سيستشعرون السلام الاجتماعي والنفسي، ستعرف نفوسهم السلم والسكينة، فإلههم الرحيم العادل واحد لا شركاء يشاكسونهم أو يشاكسوه، بين لهم الطريق إليه في دنياهم وأخراهم،
"ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"؛
فعباده يشعرون في معيته دوماً بالأمن والسلام. أما الملحدون ففي شقاء واضطراب نفسي لا ينتهي، يشاطرهم إياه المشركون بآلهة مع الله تعالى عما يشركون.

ومجتمع المسلمين هو مجتمع السلم، إنهم إذ دخلوا معاً في طريق السلم؛ فإنهم سيكونون معاً في حال من السلام الاجتماعي فيما بينهم؛ فيمنعون أنفسهم من التقاتل والتناحر مثلما ذهب إلى هذا بعض المفسرين.

والسائرون في طريق الفلاح، الداخلون في السلم كافة، ستطمئن قلوبهم للكون من حولهم، لأنه مثلهم بل قد دخل قبلهم في حاضنة السلم والانقياد والطاعة،
"... ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ"،
الملائكة، والشجر، والدواب، والجبال.. الجميع يسبح، الجميع طائع لربه منقاد إليه.

وفي الطريق، لا مجال للاختيار بين الانقياد لله في كل شرائعه وبين الاجتزاء منه قبولاً بهذا ورفضاً لذاك من شرائعه.
وإن من يفعل هذا إنما يسير مع الشيطان في طريق واحد، يسبقه فيه إبليس.. إن هذا المسلك إنما هو اتباع "خطوات الشيطان".

يقول أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله في كتابه تلبيس إبليس:
"وينبغي أن تعلم أن إبليس الذي شغله التلبيس، أول ما التبس عليه الأمر، فأعرض عن النص الصريح على السجود، فأخذ يفاضل بين الأصول، فقال: "خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ"، ثم أردف ذلك بالاعتراض على الملك الحكيم، فقال: "أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ"،
والمعنى: أخبرني لِمَ كرمته علي، برَر ذلك الاعتراض أن الذي فعلته ليس بحكمة ثم أتبع ذلك بالكبر فقال: "أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ"، ثم امتنع عن السجود فأهان نفسه التي أراد تعظيمها، باللعنة والعقاب." إن هذا هو بالضبط هو طريق الشيطان، وذاك هو اتباع خطواته بوضع الأوامر موضع الاختيار والانتقاء والاعتراض عليها.

هو طريق الشيطان، طريق الشقاق واللدد والجدل والتنازع في مقابل طريق السلم والموادعة والصفاء، يُدعى إليه المؤمنون ليدخلوه بكليتهم، ويدخلوه جميعاً، معاً في طريق وحدتهم واتحادهم..
هكذا توضح لنا الآية علاج مشكلاتنا الشخصية والمجتمعية والأممية.