المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في نور آية كريمة.. "إياك نعبد وإياك نستعين"


سلوان
07-16-2021, 11:18 PM
في نور آية كريمة.. "إياك نعبد وإياك نستعين"

https://almoslim.net/sites/default/files/styles/large/public/xeak.jpg,qitok=ePbZz_20.pagespeed.ic.xOXBC9USt4.we bp

في كل مسار ومشروع كبير، هكذا يرسم الطريق.
يضع السائر هدفه ثم يتخذ إليه الوسيلة. وفي أعظم مشروع وأجل طريق، طريق السير إلى الله عز وجل، يضع المسلم هدفه، ثم يتخذ إليه الوسيلة.

وفي سورة الفاتحة، السورة الأعظم في القرآن الكريم، يجد المسلم الطريق واضحاً، وضعت فيه منائره، وبرز فيه منتهاه وهدفه الأسمى، واتضحت الوسيلة ناصعة،

يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه البديع مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين:
"وتقديم " العبادة " على " الاستعانة " في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل ، إذ " العبادة " غاية العباد التي خلقوا لها ، و " الاستعانة " وسيلة إليها ، ولأن " إياك نعبد " متعلق بألوهيته واسمه " الله " " وإياك نستعين " متعلق بربوبيته واسمه " الرب " فقدم " إياك نعبد " على " إياك نستعين " كما قدم اسم " الله " على " الرب " في أول السورة".

والعبادة لله، تجمع كمال الحب مع كمال الذل والخضوع له سبحانه.
والاستعانة بالله تجمع الثقة بالله والاعتماد عليه.
وهما بهذا القصر وبصيغته اللغوية الجلية التي قدم فيها المفعول على الفاعل "اهتماما" مثلما ينص القرطبي رحمه الله، تعني كذلك أنه لا عبادة إلا لله ولا استعانة إلا به سبحانه وتعالى، هي عبادة التحرر إذن من كل عبودية أخرى، وهي تمام التوكل على الله المتضمن للثقة والاعتماد معاً في هذا الطريق الطويل.

لقد تحدد الطريق، وأقر العبد بتوجهه لله دون سواه بالعبادة، بالطاعة، واقتصر في طلب العون والتأييد والتوفيق من رب العالمين.
هو تعبير قرآني يقر فيه العبد بخلوص عبوديته لله، ويوجه إرادته حيث يريد الله سبحانه، مختاراً،

ولهذا يقول أبو حفص الفرغاني:
"من أقر بـ إياك نعبد وإياك نستعين فقد برئ من الجبر والقدر".
(الجبرية والقدرية فرقتان ضالتان، اولاهما تزعم أن الناس مجبرون على أعمالهم والثانية تنفي القدر بالكلية!).

في الآية القصيرة البليغة تبيان لطريق انسلاخ العبد التام وتبرؤه الكامل من تصريف العبادة لغير الله، وانخلاعه من التوكل عما سواه في هذا الطريق،

ولهذا قال ابن القيم أن
"سر الخلق والأمر، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب (قد) انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب، جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن، وجمع معاني القرآن في المفصل، وجمع معاني المفصل في الفاتحة، ومعاني الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين."

بهذا التركيز المعجز، وبتلك الأهمية البالغة، يتعين تدبر ذلك في كل تلاوة وفي كل صلاة، جعل الله قراءة الفاتحة فيها ركنا تبطل الصلاة بدونه حتى سُميت في الحديث هي ذاتها "صلاة"
(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين.. الحديث)؛
فما فُرض على هذا النحو إلا لأنها كافية وافية تُبقي الاعتقاد هذا متقداً دائماً في قلب كل مؤمن يتدبر آيات القرآن، معترفاً دوماً بذله وخضوعه لله، محباً له، متوكلاً مستعيناً به سبحانه وتعالى في طريقه إلى جنات العلا.


---------------------