النشمي
07-17-2022, 09:36 PM
بنو (عُـقــَيْـل) .. لمحة عن أنسابهم وتأريخهم وأحوالهم ــ (الجزء الأول)
بنو (عُـقــَيْـل) .. لمحة عن أنسابهم وتأريخهم وأحوالهم ــ (الجزء الأول)
مقدمة
الحمد لله المتنزه عن الأشباه والأنساب ، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، شهادة خالصة من الشك والارتياب ، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وهو المخصوص بأشرف الأنساب وأكرم الأحساب ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المتمسكين بأقوى الأسباب .
ونحمد الله الذي خلق الماء فجعلهُ سبباً ونسباً ، وخلقَ منهُ أبي البشر (آدم) وجعل (حواء) زوجا له ، ثم جعلَ بنيهما شعوباً وقبائلَ ليتعارفوا ، ليكون أتقاهم هو أكرمهم عند الله ، ثم أختار من بني (آدم) ، نبيه (نوح) ــ ص ــ ليكون الأب الثاني للبشر بعد أن أغرق العصاة الذين لم يعصمهم جبل أو غيرهُ من أمر الله ، ثم أختار من ذرية (نوح) نبيهُ (أبراهيم) ــ ص ــ وجعلَ النار برداً وسلاماً عليهِ ليكون من آياتهِ على العالمين ، ثم أصطفى من (آل أبراهيم) حبيبهُ (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي المضري العدناني الأسماعيلي) ــ ص ــ ليكون خاتم أنبيائه ورسله ،
فصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت من قبل على سيدنا أبراهيم وعلى آل سيدنا أبراهيم .
وقد جعل الله في بني (آدم) كثرة ، حتى أصبحوا أمما وشعوبا وقبائلا .
ومنهم كان (العرب) الذين أختارهم من بين الناس ليكونوا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وليكونوا حملة رسالتهِ الأخيرة الى بني آدم أجمع . فالحمد لله بأن جعلنا من العرب .
ولقد حبى الله أمة العرب بأن جعلهم ممن يحفظون أنسابهم
ويُحافظون عليها لأنها أطهر أنساب وأكرم أعراق . فكان العربي يعرف نسبهُ ومحتدهُ ويُفاخر بذلك ، ثم جعلَ الله في العرب من الكثرة بحيث جعلهم أمة متعددة الأجذام كثيرة القبائل ، والتي أنقسمت الى بطون وفروع لا حصرَ لها إلاّ ما شاء الله .
وبرز من بين العرب الكثير من العلماء ممن حاول أن يجمعَ هذهِ الأنساب ويكتبها حسب أصولها ويُثبت أنحدارها من أجذامها ويربطَ فروعها بأصولها ويوصـِّلَ أغصانها بجذورها ، فاطلق العرب على هذا العلم أسم (علم الأنساب) .
ولقد أعتبر العرب أن علم الأنساب هو علم جليل فقدّروا من يعمل في هذا العلم وأجلوهم وسّمَوهم نسّابة ً وعلماءَ تقديراً وأجلالاً لهم .
ووصلت ألينا في الوقت الحاضر العديد من المؤلفات التي كتبها هولاء العلماء ، الذين أجهدوا أنفسهم وارهقوا ابدانهم في ما راموا إليهِ ، وبالطبع لم تكن كلها قد أجادت في ما حوت أو أكملت ما أبتدأت بهِ ، فكان بعضها يُكمل بعض ، وكان العالم الفـَطـِن النبيّه هو من أستطاع أن يُلّم بأطراف هذا العلم بأن يطلـّع على ما تصل أليهِ يده من كتب الأنساب وما حَفـِظته العرب من أنسابها وفروعها ، ثم يستنبط الحقائق ويربط بين المُعطيات المختلفة ليستنتج ما هو صحيح ، وينبذ ما هو خاطيء ، وما أكثرهُ .
ولقد مرّ العرب في موطنهم الأصلي بالجزيرة العربية بخطوب جسام على أمتداد تأريخهم الضارب في القدم ، فشهدوا حروباً عديدة وقحطاً كثيراً فكان تأثير ذلك على قبائل العرب مختلفاً على مرّ العصور التي شهدوها ، فصمدت بعض هذه القبائل وعرفت بشدة بأسها فكـُتب لها البقاء والشهرة ، وبادت وأنقرضت بعضها
الآخر ، وتلاشت قبائل أخرى في غيرها ، وذاب قسم منها في أخرى ، وتشتت أخرى في البلدان والأصقاع حتى لم يعد لها ذكر في مواطنها الأصلية ، واضمحل ذكر فروع من بعضها ليبرز ذكر فروع اخرى منها ، وتحالفت بعضها لأسباب شتى مع أخرى فضاعت أنسابها ، وتغيرت مسميات بعضها بمرور السنين والقرون ، وتوزعت أخرى على قبائل العرب فنـُسيَّ أصلها ، وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي نتج عنها خلط رهيب وتحيّر شديد في أنساب واصول الكثير من قبائل العرب ، فكان عبء كلّ ذلك يقع على نسّابة كل عصر بأن يبحثوا ويبذلوا الجهد ليواصلوا تثبيت الأصول ، وألحاق الفروع بتلك الأصول ، ووصل المقطوع من الأنساب ، والأشارة الى كل تغيير في أحوالها وتفرعها ومسمياتها وتأريخها .
فـَمـِن ضـِمن قبائل العرب التي كـُتبَ لها البقاء ، وأُشير لها بالبنان فأشتهر ذكرها على مرّ التأريخ والعصور ، هي قبيلة (عُقيل بن كعب) ، التي لا يختلف اثنان في كرم أصلها وعراقة نسبها . فما أصل هذه القبيلة ؟ وما نسبها ؟ ومـِمَن أنحدرت ؟؟ .. أسئلة لابد أن يسئلها المرء حين تـُذكر أيّ من قبائل العرب ، وسنحاول بأذن الله أن نجيب في السطور القادمة عن هذه الأسئلة ، ولكن قبل أن نجيب عنها ، هنالك سؤال أهم وهو لماذا نتحرى عن أنسابنا ونحاول معرفة اصولنا ، فهل هذا بَطرٌ منا أم ماذا ،وهل هناك ضرورة لتحري جذورنا ومعرفة أنسابنا ؟ ..
فلنبتدأ من حيث أنتهينا أعلاه ، فنقول أننا كعرب وكمسلمين ، نعم ، يجب أن نحرص أشد الحرص على معرفة اصول قبائلنا وممن أنحدرت انسابنا ، لأن ذلك ببساطة هو مما أكدَت عليهِ تعاليم ديننا الحنيف التي حثت على وجوب معرفة الأب الذي وَلـَدَنا والأصل الذي منهُ نسبنا ، ففي معنى ذلك يقول عزَّ من قائل : [[ بسم الله الرحمن الرحيم { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } ..سورة (الأحزاب) ــ الآية (5) .. ]] .
فهنا جواب واضح لكل من يتسائل عن السبب في وجوب معرفة الأب والأصل والنسب ، بالأضافة الى الكثير من الأمور الشرعية في ديننا الحنيف والتي تستدعي معرفة نسبنا وصلة رحمنا ، ولا أريد هنا أن أكرر ما سبق أن ذكرهُ كل من كتب في الأنساب من أحاديث نبوية واقوال لكبار الصحابة والعلماء وغير ذلك من الشواهد والأدلة التي تحث على معرفة النسب ، فقد ذكر ذلك في أكثر من موضع ولا أظن بأن هذا مما يخفى على المهتمين بموضوعة الأنساب .
وهنا يتبادر الى اذهاننا سؤال آخر ، هل أن كل ما سبق أن كتبهُ علماء الأنساب السابقون ، وما يتوصل اليهِ الباحثون في الوقت الحاضر من نتائج في بحوث الأنساب بالأستناد الى ما كتبهُ هولاء العلماء ، هي مُسلـَمات وحقائق ثابتة لا مجال للشك فيها أبداً ؟ ثم لنفترض أن ذلك ما حدث ثم نكتشف بعد حين أخطاء من قبل هولاء النسّابة في محاولتهم البحث في الأنساب ، فما حكم ذلك من وجهة نظر الدين الأسلامي ؟ ، حينها نجد أن الله عز وجل يقول في محكم كتابهِ العزيز : [[بسم الله الرحمن الرحيم { ...وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } .. سورة (الأحزاب) ــ الآية (5) .. ]] .فهنا يغفر الله ذلك الذنب إن لم يكن متعمداً ، فسبحان الله غفار الذنوب .
وما أريد أن أقولهُ ، أنه مهما كان الدليل الذي يسوقهُ النسّابة على أقوالهِ فإن هنالك أحتمال قائم بأنهُ مخطأ في موضع ما أو نسب ما ، فلذا لا يجب على أيّ نسّابة أن يكون معتداً برأيّهِ حتى يظن أنهُ هو الأصح فقط ولا رأيّ صحيح إلاّ ما يراهُ ويعتقدهُ . وعلى هذا الأساس فسنحاول بأذن الله أن نبين في السطور القادمة أنساب وأصول قبيلة بني (عُقيل) ، معتمداً في ذلك على ما أستطعت الوصول اليهِ من مصادر موثقة مختلفة وما حفظهُ شيوخ القبيلة وكبار السن فيها من روايات وأنساب تناقلوها جيل بعد جيل ، كما هو موجود في كل قبائل العرب الأخرى ، ومهما سنقول ونكتب فيبقى العلم الأصح والحقيقة المطلقة بيد الله ، فهو العالم وحده ، لكن نأمل أن يوفقنا الله بأن نصل الى حقائق الأمور بعون وبهدي منهُ سبحانهُ ، آملاً أن يعينني عز وجل الى ذكر الحق ، والحق فقط ، وأن يجنبني كل ما هو باطل ، طالباً السماح والعفو ممن يجد هفوة في ما يقرأهُ هنا ، وأن يؤشر كل ما هو خاطيء ، ــ وسبحان من لا يخطأ ــ ، وما أنا إلاّ طالب علم ٍ ، وهو علمٌ شرعيّ فيهِ خير للدنيا ونرجو أن يصيبنا منهُ خير في الآخرة . فقد أُصيب أنا أو غيري في موضع ما ، لكن من المؤكد أننا سنخطأ في مواضع أخرى، فهذا أجتهاد ، وما كل مجتهد مصيب ، ومَن أجتهدَ وأخطأَ فـَلـَهُ أجرٌ ، ومَن أجتهدَ وَأصابَ فـَلـَهُ أجران .
متمنياً من الجميع أن تكون نظراتهم الى هذه السطور نظرات نقد وتصحيح وتصويب ، لا نظرات إغضاء وستر للعيوب والأخطاء أو أنتقاد لمجرد الأنتقاد والتعييب ، فخير الناس من نفع الناس لأن غايتي أن أنفع الناس مـِمَن يهمهم موضوع هذا البحث ، وبالتأكيد سأنتفع في نفس الوقت مـِمَن يُصّوِب ليّ أخطائي وبالتالي سأستدرك ما توهمت بهِ .
ولابد من الأشارة الى أن هذا الموضوع هو جزء مستل من مخطوط بعنوان :
((بنو عُقــَيـْل .. أنسابهم وتأريخهم وأحوالهم)) ــ تأليف (طلال العكيلي)
وهو مخطوط معّد للطبع وحقوق النشر محفوظة للمؤلف ، فتم كتابة هذا الموضوع كنبذة تعريفية عن هذه القبيلة ، بأقتباس جزء من هذا المخطوط مع بعض التعديل ليكون ملائما للنشر على صفحات النت ، فأصبح لدينا هذا البحث المنقول عن المخطوط بتصرف ، ويُسمح بأعادة نشر هذا الموضوع بأكمله أو أقتباس أجزاء منهُ ــ لمن يرغب بذلك ــ على شرط ذكر المصدر لهذا الموضوع ، لتجنب المسائلة القانونية ، وذلك بذكر اسم المخطوط وكاتبه ، مع عدم المساس بمادة الموضوع أو عنوانه .
وسيكون منهجي في هذا البحث الأختصار في عرض الأدلة والشواهد لأنها كثيرة وسأكتفي بالقليل والمشهور منها على أن يُتاح المجال في وقت آخر الى التوسع في ذلك بأذن الله ،
فالغرض من هذا الموضوع الآن هو نبذة تعريفية بهذه القبيلة وذكر أصلها ونسبها وفروعها وبعض تأريخها وأحوالها ثم سنفصّل كل ذلك ، كل حسب بابه في مواضيع أخرى تأتي تباعا أن شاء الله .
.
بنو (عُـقــَيْـل) .. لمحة عن أنسابهم وتأريخهم وأحوالهم ــ (الجزء الأول)
مقدمة
الحمد لله المتنزه عن الأشباه والأنساب ، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، شهادة خالصة من الشك والارتياب ، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله وهو المخصوص بأشرف الأنساب وأكرم الأحساب ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المتمسكين بأقوى الأسباب .
ونحمد الله الذي خلق الماء فجعلهُ سبباً ونسباً ، وخلقَ منهُ أبي البشر (آدم) وجعل (حواء) زوجا له ، ثم جعلَ بنيهما شعوباً وقبائلَ ليتعارفوا ، ليكون أتقاهم هو أكرمهم عند الله ، ثم أختار من بني (آدم) ، نبيه (نوح) ــ ص ــ ليكون الأب الثاني للبشر بعد أن أغرق العصاة الذين لم يعصمهم جبل أو غيرهُ من أمر الله ، ثم أختار من ذرية (نوح) نبيهُ (أبراهيم) ــ ص ــ وجعلَ النار برداً وسلاماً عليهِ ليكون من آياتهِ على العالمين ، ثم أصطفى من (آل أبراهيم) حبيبهُ (محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي المضري العدناني الأسماعيلي) ــ ص ــ ليكون خاتم أنبيائه ورسله ،
فصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت من قبل على سيدنا أبراهيم وعلى آل سيدنا أبراهيم .
وقد جعل الله في بني (آدم) كثرة ، حتى أصبحوا أمما وشعوبا وقبائلا .
ومنهم كان (العرب) الذين أختارهم من بين الناس ليكونوا خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وليكونوا حملة رسالتهِ الأخيرة الى بني آدم أجمع . فالحمد لله بأن جعلنا من العرب .
ولقد حبى الله أمة العرب بأن جعلهم ممن يحفظون أنسابهم
ويُحافظون عليها لأنها أطهر أنساب وأكرم أعراق . فكان العربي يعرف نسبهُ ومحتدهُ ويُفاخر بذلك ، ثم جعلَ الله في العرب من الكثرة بحيث جعلهم أمة متعددة الأجذام كثيرة القبائل ، والتي أنقسمت الى بطون وفروع لا حصرَ لها إلاّ ما شاء الله .
وبرز من بين العرب الكثير من العلماء ممن حاول أن يجمعَ هذهِ الأنساب ويكتبها حسب أصولها ويُثبت أنحدارها من أجذامها ويربطَ فروعها بأصولها ويوصـِّلَ أغصانها بجذورها ، فاطلق العرب على هذا العلم أسم (علم الأنساب) .
ولقد أعتبر العرب أن علم الأنساب هو علم جليل فقدّروا من يعمل في هذا العلم وأجلوهم وسّمَوهم نسّابة ً وعلماءَ تقديراً وأجلالاً لهم .
ووصلت ألينا في الوقت الحاضر العديد من المؤلفات التي كتبها هولاء العلماء ، الذين أجهدوا أنفسهم وارهقوا ابدانهم في ما راموا إليهِ ، وبالطبع لم تكن كلها قد أجادت في ما حوت أو أكملت ما أبتدأت بهِ ، فكان بعضها يُكمل بعض ، وكان العالم الفـَطـِن النبيّه هو من أستطاع أن يُلّم بأطراف هذا العلم بأن يطلـّع على ما تصل أليهِ يده من كتب الأنساب وما حَفـِظته العرب من أنسابها وفروعها ، ثم يستنبط الحقائق ويربط بين المُعطيات المختلفة ليستنتج ما هو صحيح ، وينبذ ما هو خاطيء ، وما أكثرهُ .
ولقد مرّ العرب في موطنهم الأصلي بالجزيرة العربية بخطوب جسام على أمتداد تأريخهم الضارب في القدم ، فشهدوا حروباً عديدة وقحطاً كثيراً فكان تأثير ذلك على قبائل العرب مختلفاً على مرّ العصور التي شهدوها ، فصمدت بعض هذه القبائل وعرفت بشدة بأسها فكـُتب لها البقاء والشهرة ، وبادت وأنقرضت بعضها
الآخر ، وتلاشت قبائل أخرى في غيرها ، وذاب قسم منها في أخرى ، وتشتت أخرى في البلدان والأصقاع حتى لم يعد لها ذكر في مواطنها الأصلية ، واضمحل ذكر فروع من بعضها ليبرز ذكر فروع اخرى منها ، وتحالفت بعضها لأسباب شتى مع أخرى فضاعت أنسابها ، وتغيرت مسميات بعضها بمرور السنين والقرون ، وتوزعت أخرى على قبائل العرب فنـُسيَّ أصلها ، وغير ذلك من الأسباب الكثيرة التي نتج عنها خلط رهيب وتحيّر شديد في أنساب واصول الكثير من قبائل العرب ، فكان عبء كلّ ذلك يقع على نسّابة كل عصر بأن يبحثوا ويبذلوا الجهد ليواصلوا تثبيت الأصول ، وألحاق الفروع بتلك الأصول ، ووصل المقطوع من الأنساب ، والأشارة الى كل تغيير في أحوالها وتفرعها ومسمياتها وتأريخها .
فـَمـِن ضـِمن قبائل العرب التي كـُتبَ لها البقاء ، وأُشير لها بالبنان فأشتهر ذكرها على مرّ التأريخ والعصور ، هي قبيلة (عُقيل بن كعب) ، التي لا يختلف اثنان في كرم أصلها وعراقة نسبها . فما أصل هذه القبيلة ؟ وما نسبها ؟ ومـِمَن أنحدرت ؟؟ .. أسئلة لابد أن يسئلها المرء حين تـُذكر أيّ من قبائل العرب ، وسنحاول بأذن الله أن نجيب في السطور القادمة عن هذه الأسئلة ، ولكن قبل أن نجيب عنها ، هنالك سؤال أهم وهو لماذا نتحرى عن أنسابنا ونحاول معرفة اصولنا ، فهل هذا بَطرٌ منا أم ماذا ،وهل هناك ضرورة لتحري جذورنا ومعرفة أنسابنا ؟ ..
فلنبتدأ من حيث أنتهينا أعلاه ، فنقول أننا كعرب وكمسلمين ، نعم ، يجب أن نحرص أشد الحرص على معرفة اصول قبائلنا وممن أنحدرت انسابنا ، لأن ذلك ببساطة هو مما أكدَت عليهِ تعاليم ديننا الحنيف التي حثت على وجوب معرفة الأب الذي وَلـَدَنا والأصل الذي منهُ نسبنا ، ففي معنى ذلك يقول عزَّ من قائل : [[ بسم الله الرحمن الرحيم { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } ..سورة (الأحزاب) ــ الآية (5) .. ]] .
فهنا جواب واضح لكل من يتسائل عن السبب في وجوب معرفة الأب والأصل والنسب ، بالأضافة الى الكثير من الأمور الشرعية في ديننا الحنيف والتي تستدعي معرفة نسبنا وصلة رحمنا ، ولا أريد هنا أن أكرر ما سبق أن ذكرهُ كل من كتب في الأنساب من أحاديث نبوية واقوال لكبار الصحابة والعلماء وغير ذلك من الشواهد والأدلة التي تحث على معرفة النسب ، فقد ذكر ذلك في أكثر من موضع ولا أظن بأن هذا مما يخفى على المهتمين بموضوعة الأنساب .
وهنا يتبادر الى اذهاننا سؤال آخر ، هل أن كل ما سبق أن كتبهُ علماء الأنساب السابقون ، وما يتوصل اليهِ الباحثون في الوقت الحاضر من نتائج في بحوث الأنساب بالأستناد الى ما كتبهُ هولاء العلماء ، هي مُسلـَمات وحقائق ثابتة لا مجال للشك فيها أبداً ؟ ثم لنفترض أن ذلك ما حدث ثم نكتشف بعد حين أخطاء من قبل هولاء النسّابة في محاولتهم البحث في الأنساب ، فما حكم ذلك من وجهة نظر الدين الأسلامي ؟ ، حينها نجد أن الله عز وجل يقول في محكم كتابهِ العزيز : [[بسم الله الرحمن الرحيم { ...وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } .. سورة (الأحزاب) ــ الآية (5) .. ]] .فهنا يغفر الله ذلك الذنب إن لم يكن متعمداً ، فسبحان الله غفار الذنوب .
وما أريد أن أقولهُ ، أنه مهما كان الدليل الذي يسوقهُ النسّابة على أقوالهِ فإن هنالك أحتمال قائم بأنهُ مخطأ في موضع ما أو نسب ما ، فلذا لا يجب على أيّ نسّابة أن يكون معتداً برأيّهِ حتى يظن أنهُ هو الأصح فقط ولا رأيّ صحيح إلاّ ما يراهُ ويعتقدهُ . وعلى هذا الأساس فسنحاول بأذن الله أن نبين في السطور القادمة أنساب وأصول قبيلة بني (عُقيل) ، معتمداً في ذلك على ما أستطعت الوصول اليهِ من مصادر موثقة مختلفة وما حفظهُ شيوخ القبيلة وكبار السن فيها من روايات وأنساب تناقلوها جيل بعد جيل ، كما هو موجود في كل قبائل العرب الأخرى ، ومهما سنقول ونكتب فيبقى العلم الأصح والحقيقة المطلقة بيد الله ، فهو العالم وحده ، لكن نأمل أن يوفقنا الله بأن نصل الى حقائق الأمور بعون وبهدي منهُ سبحانهُ ، آملاً أن يعينني عز وجل الى ذكر الحق ، والحق فقط ، وأن يجنبني كل ما هو باطل ، طالباً السماح والعفو ممن يجد هفوة في ما يقرأهُ هنا ، وأن يؤشر كل ما هو خاطيء ، ــ وسبحان من لا يخطأ ــ ، وما أنا إلاّ طالب علم ٍ ، وهو علمٌ شرعيّ فيهِ خير للدنيا ونرجو أن يصيبنا منهُ خير في الآخرة . فقد أُصيب أنا أو غيري في موضع ما ، لكن من المؤكد أننا سنخطأ في مواضع أخرى، فهذا أجتهاد ، وما كل مجتهد مصيب ، ومَن أجتهدَ وأخطأَ فـَلـَهُ أجرٌ ، ومَن أجتهدَ وَأصابَ فـَلـَهُ أجران .
متمنياً من الجميع أن تكون نظراتهم الى هذه السطور نظرات نقد وتصحيح وتصويب ، لا نظرات إغضاء وستر للعيوب والأخطاء أو أنتقاد لمجرد الأنتقاد والتعييب ، فخير الناس من نفع الناس لأن غايتي أن أنفع الناس مـِمَن يهمهم موضوع هذا البحث ، وبالتأكيد سأنتفع في نفس الوقت مـِمَن يُصّوِب ليّ أخطائي وبالتالي سأستدرك ما توهمت بهِ .
ولابد من الأشارة الى أن هذا الموضوع هو جزء مستل من مخطوط بعنوان :
((بنو عُقــَيـْل .. أنسابهم وتأريخهم وأحوالهم)) ــ تأليف (طلال العكيلي)
وهو مخطوط معّد للطبع وحقوق النشر محفوظة للمؤلف ، فتم كتابة هذا الموضوع كنبذة تعريفية عن هذه القبيلة ، بأقتباس جزء من هذا المخطوط مع بعض التعديل ليكون ملائما للنشر على صفحات النت ، فأصبح لدينا هذا البحث المنقول عن المخطوط بتصرف ، ويُسمح بأعادة نشر هذا الموضوع بأكمله أو أقتباس أجزاء منهُ ــ لمن يرغب بذلك ــ على شرط ذكر المصدر لهذا الموضوع ، لتجنب المسائلة القانونية ، وذلك بذكر اسم المخطوط وكاتبه ، مع عدم المساس بمادة الموضوع أو عنوانه .
وسيكون منهجي في هذا البحث الأختصار في عرض الأدلة والشواهد لأنها كثيرة وسأكتفي بالقليل والمشهور منها على أن يُتاح المجال في وقت آخر الى التوسع في ذلك بأذن الله ،
فالغرض من هذا الموضوع الآن هو نبذة تعريفية بهذه القبيلة وذكر أصلها ونسبها وفروعها وبعض تأريخها وأحوالها ثم سنفصّل كل ذلك ، كل حسب بابه في مواضيع أخرى تأتي تباعا أن شاء الله .
.