المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يصوم شعبان كله؟


سوار ديزاين
03-19-2022, 10:10 PM
هل كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يصوم شعبان كله؟


بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان كله، أو كان يصوم أكثره؟
نقول بعون الله:

اتفق العلماء على استحباب الصيام في شهر شعبان؛ لفِعل النبي _صلى الله عليه وسلم_.

واختلفوا: هل كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ يصوم شعبان كله أو أغلبه، على أقوال:

وسبب الخلاف في هذه المسألة: هو تعارُض النصوص الناقلة لفِعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ في صومه لشعبان، بين مُثْبِتٍ لصومه كله ونافٍ لذلك.

فمن الأحاديث الدالة على نفْي صومه لشعبان كله:

أ ــ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(( يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ )) ([1]).

وفي رواية لمسلم: (( كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، قَدْ أَفْطَرَ، قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ )) ([2]).

ب ــ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً )) قَالَتْ:(( وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ )) ([3]).

وغيرها من الروايات.

فهذه أحاديث فيها نفْي لصوم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لشهر شعبان كاملًا.

وهناك روايات فيها التصريح بصوم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لشهر شعبان كاملًا، ومنها:

أ ــ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: (( لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ )) ([4]).

ب ــ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ )) ([5]).

ج ــ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْغَازِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: (( كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَصِلَهُ بِرَمَضَانَ )) ([6]).

فهذه أحاديث فيها إثبات لصوم النبي _صلى الله عليه وسلم_ لشهر شعبان كاملًا.

وبسبب هذا التعارض في نقل فِعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ في صومه لشعبان، اختلفت أنظار العلماء ومسالكهم في الجمع والتوفيق بين هذه الأحاديث.

فمنهم مَن سلك مسلك الترجيح ([7])، ومنهم مَن سلك مسلك الجمع، وإليك بيان ذلك باختصار:

(( القول الأول )):

أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يصوم أغلب شعبان، ولم يصُمْه كله، وما صام شهرًا كاملًا إلا رمضان.
وهذا مذهب ابن المبارك وغيره ([8])، وهو قول الجمهور، وعليه أكثر شُراح الحديث ([9]).

واستدلوا على ذلك بأدلة:

(( الدليل الأول )):
أحاديث فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصوم شهرًا كاملًا سوى رمضان.

ومن ذلك:
أ ــ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ )) ([10]).

وفي رواية لمسلم: (( قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ )) ([11]).

ب ــ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ، أَوْ مَرِضَ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً )) قَالَتْ :(( وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلَّا رَمَضَانَ )) ([12]).

ج ــ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ؟ قَالَتْ:(( وَاللهِ، إِنْ صَامَ شَهْرًا مَعْلُومًا سِوَى رَمَضَانَ، حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ، وَلَا أَفْطَرَهُ حَتَّى يُصِيبَ مِنْهُ )) ([13]).

د ــ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: (( مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ )) ([14]).

وغير ذلك من الروايات في كتب السنن والمسانيد.

وجه الاستدلال من هذه الأحاديث:
هذا نفْي لرؤيته قد استكمل صيام شعبان([15])، لا سيما وأنَّ أكثر الروايات وردت عن زوجه عائشة _رضي الله عنها_ وهي قريبة من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأدرى بشؤونه وأحواله.

(( الدليل الثاني )):

أحاديث فيها التصريح أنَّ النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يصوم شعبان إلا قليلًا منه.
ومن ذلك:

أ ــ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا )) ([16]).

ب ــ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: (( كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، وَلَمْ أَرَهُ صَامَ مِنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا )) ([17]).

(( الدليل الثالث )):

أن ابن عباس _رضي الله عنهما_ كان ينهى عن صيام الشهر كاملًا.

عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: (( كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ الشَّهْرِ كَامِلًا، وَيَقُولُ: لِيَصُمْهُ إِلَّا أَيَّامًا....)) ([18]).

وجه الاستدلال:
لو كان ثابتًا عن النبي صيام شهر شعبان كاملًا، لما كان ترجمان القرآن الإمام ابن عباس _رضي الله عنهما_ ينهى عما كان يفعله النبي ([19]) _صلى الله عليه وسلم_.
وقد أجاب أصحاب هذا القول _الجمهور_ عن الروايات التي فيها أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ (( كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ))، بأجوبة:

(( الجواب الأول )):
أن المقصود بقول عائشة _رضي الله عنها_: (( كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ))
قالوا: المراد به أكثره، وهذا جائز في لغة العرب: أن يُقال لمن صام أكثر الشهر، أنه صامه كله.

قال الإمام الترمذي ::
(( وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الحَدِيثِ: هُوَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ العَرَبِ إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يُقَالَ: صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَيُقَالُ: قَامَ فُلَانٌ لَيْلَهُ أَجْمَعَ، وَلَعَلَّهُ تَعَشَّى وَاشْتَغَلَ بِبَعْضِ أَمْرِهِ، كَأَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ قَدْ رَأَى كِلَا الحَدِيثَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ، يَقُولُ: إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَ الشَّهْرِ )) ([20]).

(( الجواب الثاني )):
قالوا: المراد بكله (أكثره، وأغلبه).
ووجه ذلك: أن اللفظ الثاني: (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا )) جاء مُفَسِّرًا للفظ الأول:(( كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ )).
فالمراد بكله: "غالبه وأكثره" كما فسرته الرواية الأخرى ([21]).

(( الجواب الثالث )):
قالوا: المراد ب "كله" (أكثره، وأغلبه).
ووجه ذلك:
بأن هذا من المجاز، والمراد بالكل: الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال ([22])؛ إذ المراد بذلك المبالغة ([23]).

(( القول الثاني )):
أنه في بعض الأحيان كان يصوم شعبان كله، وفي بعضها يصوم أغلبه ([24]).
والمقصود: أن هذا كان باختلاف الأوقات: ففي بعض السنين صام النبي -صلى الله عليه وسلم- شعبان كاملًا، وفي بعضها صامه النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثره.
وهذا اختيار جماعة من شُراح الحديث، منهم:
الطيبي ([25])، وبدر الدين العيني ([26])، وعلي القاري ([27])، وهو ظاهر قول بعض الحنابلة ([28])، وظاهر صنيع جماعة من الحنابلة ([29]) ورجحه بعض المعاصرين ([30]).

واستدلوا على ذلك بأدلة:
استدلوا على أنه كان يصوم أكثره في بعض الأحيان _وهو الأغلب_ بنفس الأدلة التي استدل بها الجمهور، والتي سبق ذِكْر بعضها.

واستدلوا على أنه كان يصوم شعبان كله في بعض الأحيان:
بروايات فيها التصريح بأنه _صلى الله عليه وسلم_ كان يصوم شعبان كله، ومنها:
أ ــ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: (( لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ )) ([31]).
ب ــ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: (( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ )) ([32]).
ج ــ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْغَازِ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ:(( كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَصِلَهُ بِرَمَضَانَ )) ([33]).
د ــ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ )) ([34]).
هـ ــ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(( أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا يُعْلَمُ إِلَّا شَعْبَانَ، يَصِلُ بِهِ رَمَضَانَ )) ([35]).
وــ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: (( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ )) ([36]).

قال الإمام بدر الدين العيني ::
(( قَالُوا: معنى: كُله، أَكْثَره، فَيكون مجَازًا. قلت: فِيهِ نظر من وُجُوه: الأول: أَن هَذَا الْمجَاز قَلِيل الِاسْتِعْمَال جدا. وَالثَّانِي: أَن لَفْظَة: كل، تَأْكِيد لإِرَادَة الشُّمُول، وَتَفْسِيره بِالْبَعْضِ منَاف لَهُ. وَالثَّالِث: أَن فِيهِ كلمة الإضراب، وَهِي تنَافِي أَن يكون المُرَاد الْأَكْثَر، إِذْ لَا يبْقى فِيهِ حِينَئِذٍ فَائِدَة، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال فِيهِ: إِنَّه بِاعْتِبَار عَاميْنِ فَأكْثر، فَكَانَ يَصُومهُ كُله فِي بعض السنين، وَكَانَ يَصُوم أَكْثَره فِي بعض السنين )) ([37]).

قال الملّا علي القاري ::
(( قَالَ النَّوَوِيُّ: الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلْأَوَّلِ، وَبَيَانُ قَوْلِهَا كُلَّهُ أَيْ غَالِبَهُ اهـ. وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ، حَمَلَهُ عَلَيْهِ قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى " قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ " وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصُومَهُ كُلَّهُ فِي سَنَةٍ وَأَكْثَرَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَالْمَعْنَى عَلَى الْعَطْفِ اهـ. وَهُوَ أَقْرَبُ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ )) ([38]).

(( القول الثالث )):
أنه كان يصوم تارة من أوله، وتارة من وسطه، وتارة من آخره، ولا يخلي منه شيئًا بلا صيام.
وبهذا قال بعض العلماء ([39]).

واستدلوا على ذلك:
بأدلة الفريقين السابق ذِكرها، والتي فيها النفي والإثبات في صوم شعبان كله أو أغلبه.
وحملوا روايات: (( كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ))، على أنه تارة يصوم من أوله، وتارة من وسطه، وتارة من آخره، ولا يترك منه شيئًا بلا صيام.

(( الترجيح )):
الراجح فى نظرى _والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمنى ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، وأسأل الله أن يوفقني إلى مراده_:
هو أنه _صلى الله عليه وسلم_ كان في بعض الأحيان يصوم شعبان كله، وفي أغلب الأحيان كان يصوم أكثر شعبان.

(( برهان ذلك )):
ما سبق ذِكره من الأدلة، ويؤيده:

((أولًا)):
الروايات التي جمعت بين صومه لشعبان إلا قليلًا، وصومه كله، ومنها:
عن عائشة قالت: (( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ: كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ )) ([40]).
وعنها:(( وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ فِي شَهْرٍ مَا يَصُومُ فِي شَعْبَانَ: كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ إِلَّا قَلِيلًا، بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ )) ([41]).
فهذه روايات فيها التصريح بصومه لأغلب شعبان، وبصومه كله، ولو كان المقصود صوم أغلب شعبان فقط، لما ذكرَتْ كله، لاسيما وأنها ذكرت صومه لأغلبه.

((ثانيًا)):
أن هذا القول فيه جمعٌ بين كل الأدلة والروايات الثابتة، وإعمال الدليلين أَولى من إهمال أحدهما.

سلوان
03-24-2022, 06:37 PM
https://lh3.googleusercontent.com/tKKXv6-J2Gal4vF_k2rRssUNK6RFirwQoimbnEfeqESYUwRPfgCiVJxMz kZMzYEu46nCM49Y2tZpIrQ4S5U=w1000-h1000

سوار ديزاين
03-25-2022, 09:00 PM
https://k.top4top.io/p_2141hdogz5.gif