المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعريف شعر النقائض


ابن الصحراء
03-03-2022, 11:26 AM
تعريف شعر النقائض
فنون الشعر وأنواعه

يتوزّع الأدبُ بين نثرٍ وشعر، ويتفرع كلّ منهما إلى مجموعة من الفنون التي تختلف وفقًا للمضمون الذي تحتمله
والشكل الفني الذي ينتظمها،
فيتوزّع النثر بين الخطابة والمقالة والقصة والمثل، بينما يتوزع الشعر بين
"مدح ووصف وهجاء وغزل وفخر"
[١]، وقد ظهرت بعض الفنون الشعرية التي مزجت بين تلك الأغراض تحت فنّ واحد له سماته الخاصّة كالمعلقات التي جمعت بين الغزل والفخر والحكمة والوصف في آن واحد
وغيرها ممّا اتسع ليشمل سائر تلك الأغراض في نصوص مستقلة كالنقائض، وهي فن شعري اقترن ظهوره بظهور الشعر ذاته، وازدهر وبلغ ذروة الإبداع في العصر الأموي، ولعل مقومات هذا الفن تتوضّح من خلال بيان تعريف شعر النقائض، وبوادر نشأتها، وأشهر شعرائها.

* تعريف شعر النقائض

يتطلّب الوقوف على تعريف شعر النقائض الاصطلاحي، الوقوف على معنى النقائض في اصل اللغة، حيث تشير كلمة النقائض في معاجم اللغة إلى "إبطال حكم ما أو نكث غزل ثم إعادة تسويته وبنائه
ومن هذه الدلالة المعجمية اشتق تعريف شعر النقائض، ليدلّ على فن من فنون الشعر الذي يقوم شاعر من خلاله بالرد على شاعر آخر من خلال قصيدة يلزم فيها نفس رويّه وموضوعه وبحره الذي نظم فيه قصيدته، فكأنه يعمد إلى هدمها وإحلال قصيدته محلّها، وقد ازدهر هذا اللون الشعري من خلال تلك المناظرات الشعرية التي كانت تجري بين الشعراء في الأسواق الثقافية، وفي مجالس الشعر والأدب، وكانت تدور في معظمها حول موضوعي الفخر والهجاء، حيث يستهدف الشاعر منهم قصيدة نظيره فينقض كل ما جاء في فحواها من مضامين فخره بقومه وصفاته وهجائه لصاحبه وانتقاصه من قدره وقدر قومه، ويستبدل بها مضمونًا آخر يقضي له ولقومه بالفخر والعزة بينما يردّ النقيصة على صاحبه وقومه،
وبالنظر إلى تعريف شعر النقائض الذي يترك لها مدى واسعًا يحتمل الكثير من الأغراض الشعرية كالغزل والرثاء والمدح رغم ارتباطها الوثيق بموضوعي الفخر والهجاء
الذي عرفت واشتهرت به لا سيّما في العصر الأموي على يدي جرير والفرزدق.

نشأة شعر النقائض

يظهر تعريف شعر النقائض، ارتباط هذا الفن بالكلام نفسه وفنياته المستخدمة في العصر نفسه، وهذا يعني أن فن النقائض الشعرية لم يكن مقصورًا على ما بلغنا من نقائض العصر الأموي
فقد بدا لهذا الفن ملامح مختلفة في كل عصر،
تبعًا لاحتياجاته الثقافية والاجتماعية والعوامل البيئية التي أدت إلى ظهوره في تلك العصور، فمنذ العصر الجاهلي، بدت النقائض تتشكل تبعًا لاحتياجات العصر للشعر، واتخاذه أداة إعلامية تعلي من شأن قوم على حساب آخرين، فالحياة التي كانت تقوم على نظام قبلي مفكك، والارتكاز في المفاضلة بين تلك القبائل على الأحساب والأنساب والأخلاق،
دعت لتشكل شعر النقائض منذ طليعة العصر الجاهلي، وفي عصر صدر الإسلام لم تسقط النقائض الشعرية مع ما أسقطه الإسلام من عادات الجاهلية وطباعهم القبلية،

غير أنها نَحَت منحى آخر ينسجم والطبائع الإسلامية فغدت مباريات ومناظرات يقودها شعراء الإسلام من أمثال كعب بن مالك وحسان بن ثابت ضد شعراء قريش، حيث أخذت النقائض في صدر الإسلام طابعًا دينيًا بدل طابعها القبلي الذي كانت عليه في الجاهلية، ولم يكن للعصر الأموي إلا أن يترك بصمته في هذا الفن الشعري،
إذ أخذت الأحزاب السياسية المتلاحمة في العصر الأموي تؤجج نار هذا الفن، إلى جانب ما خلفه العصرين السابقين الجاهلي والإسلامي من عوامل اجتماعية ودينية،
حتى ازدهرت النقائض وبلغت ذروتها على يد شعرائها الثلاثة:
جرير
والأخطل
والفرزدق
الذين أشير إليهم في تعريف شعر النقائض آنفًا.
أشهر شعراء النقائض
بدا فن النقائض فنًا تفاعليًا مشتركًا، وهذا ما عكسه تعريف شعر النقائض منذ الوهلة الأولى، فهو فن يحتاج لشاعرين منسجمين في البيئة والثقافية والاجتماعية،
بحيث يتحقق بينهما التنافس الشعري الذي يجعل من نقائضهما لغة تواصل تعبر بين فكرين مختلفين، وهذا بحق ما يُلتمس بين شعراء النقائض الأموية الثلاث وهم كما يأتي.
جرير
وهو جرير بن عطية الخطفي، كان هجّاءً معروفًا،
وهو على فحشه وإقذاعه في هجائه كان عفيفًا في غزله لا يعهر ولا يشرب الخمر.[٣]، وقيل في سبب تسميته أن أمه قد رأت في منامها أنها ولدت حبلًا أسود،
فلما وقع جعل ينزو فيقع في عنق هذا فيخنقه حتى فعل ذلك برجال كثر، فذعرت من منامها فأولته فقيل لها أنها تلد غلامًا شاعرًا ذا شر وبلاء على الناس،
ولعل ذلك قد تحقق فيما جاء بها من هجاء الناس وقذفهم في شعره، وقد كان جرير من أشد شعراء الهجاء، إذ يذكر أنه هجا بني نمير بقصيدة قال جرير فيها:
فَغُضَّ الطَرفَ إِنَّكَ مِن نُمَيرٍ
فَلا كَعباً بَلَغتَ وَلا كِلابا
فقيل أن بني نمير بعدها قد ساروا بين الناس على استحياء من انتسابهم لجدهم نمير، حتى بلغ بهم الأمر أن إذا سئل أحدهم من أنت؟ أجاب عامري، متمنعًا من نسبه لجده نمير بعد هجاء جرير لهم.
الفرزدق
وهو همّام بن غالب بن صعصعة، لقب بالفرزدق لضخامة وجهه وجهامته،
عاش في بيئة مثقفة تهتم بالعلم والشعر والمعرفة، فقد حرص والده على تعليمه الشعر واطلاعه على الشعر القديم منذ صغره، حتى نشأ شاعرًا كبيرًا،
وهو على قوة شعره وجزالته لم يكن يكترث للصدق فيه، فقد كان الشعر بالنسبة له يفًا يسله في وجه من عاداه،
فلم يكن يتوانى عن هجاء فلان بعد مدحه إن دعته الحاجة لذلك،
كما أنه قد اشتهر بالنساء فكان زير غوانٍ وتزوج عدة نساء كانت النّوار إحداهنّ،
وكان شاعرًا متشيّعًا عرف بحبه لآل البيت.
وقد تنقل في شعره بين غزل وهجاء ومدح وما إلى ذلك من فنون الشعر التي أشير إليها خلال تعريف شعر النقائض،
إلا أنه كان في غزله كلف العاطفة، وليس ذلك عليه بالغريب فقد كان في حياته الاجتماعية فظًا حتى في اختياره للنوار زوجة له،
إذ احتال عليها وخطبها لنفسه رغم معارضتها لذلك، وقد كان ما بين هؤلاء الشعراء الثلاثة من خلاف شعري عقيم لم يهدأ ولم يفتر، سببًا في غرس المودة والصداقة بينهم في الواقع، فالخلاف والنزاع لم يكن إلا صفقة تبادل شعري كما تظهر في تعريف شعر النقائض،
فقد سارع جرير لرثاء صديقه الفرزدق حين سمع بنبأ موته بقصيدة جياشة العاطفة في قوله:
لعَمرِي لَقَدْ أشْجَى تَمِيمًا وَهَدَّهَا
عَلَى نَكَبَاتِ الدَّهْرِ مَوْتُ الفَرَزْدَقِ

الأخطل
هو غيّاث بن غيث بن طارقة بن تغلب، لقّب بالأخطل لأنّه كان طويل الأذنين مسترخيهما.كتب في فنون الشعر على اختلافها، إلا أنه كان أغزل من صاحبيه، وأكبرهما سنًا،
وهو تغلبي مسيحي، عرفه جرير في مجلس الخليفة، وأدرك براعته في نظم النقائض، حتى تعاهد ثلاثتهم على إقامة الخصام الشعري من خلال تلك النقائض،
وقد عرف الأخطل بشاعر العصر الأموي نظرًا لاهتمامه البالغ بمدح ملوك بني أمية وهجاء خصومهم،إضافة إلى تشبثه بالتقليد الفني للقصيدة العربية فكان يحرص على استهلال شعره بمقدمة غزلية،
قبل التطرق لصلب الموضوع الذي أنشئت القصيدة لأجله،
كما أنه كان كثير العناية بشعره، فقد كان ينظم القصيدة
ينقحها ويهذبها فيسقط ثلثيها ثم يظهر ما اختار منها.

----------------------------------

سوار ديزاين
03-03-2022, 09:10 PM
طرح راعئ من روائع طرحك

سلمت يمينك على الموضوع الرائع

بارك الله فيك

ابن الصحراء
03-03-2022, 11:07 PM
https://forum.hwaml.com/imgcache2/hwaml.com_1385248281_142.gif